الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة عالم الاجتماع والروائي الطيب الطويلي في حوار خاص: "للإرهابيين عذاب القبر الذي يخشونه ولنا الحياة والمستقبل"

نشر في  22 جويلية 2015  (09:46)


بعض الإرهابيين أطباء ومهندسون..وربط الظاهرة بالفقر تفسير سياسي ضيّق

لنا الحياة والمستقبل..ولهم عذاب القبر الذي يخشونه

لنا شعب رهيب سيقضي على هذا السرطان الذي ينخر الأمة..

بعيدا عن دواليب السياسة ودواويرها اختارت أخبار الجمهورية محاورة أحد الوجوه التي سطع نجمها في سماء الثقافة التونسية والتي عرفت بقلم رسم العديد من الروايات الهامة التي حاكت واقع المجتمع التونسي وأوجاعه على غرار «نقمة المهمشين» و»الخروج إلى الضوء»..

ضيفنا هذا الأسبوع هو الدكتور في علم الاجتماع والروائي الطيب الطويلي الذي شرح لنا الحالة «النفسية» للمجتمع التونسي العازم على الانتصار في حربه على ظاهرة الإرهاب الدخيلة، كما تحدثنا معه عن العديد من المواضيع الهامة التي تهم الشأن الثقافي والاجتماعي ببلادنا.. فتابعونا...

- كيف تحلل ظاهرتي الخوف والتوجس اللتين بات يعيش على وقعهما المجتمع التونسي جراء الأعمال والتهديدات الإرهابية ومنها حادثة شارع الحبيب بورقيبة؟

 لا يمكننا اعتبار أن التوجس الذي يعيشه المجتمع التونسي حالة مرضية إذا ما وضعنا بعين الاعتبار خطورة العمليات الإرهابية التي جدت مؤخرا بتونس، والخطاب السياسي المهتز الذي رافق هذه العمليات، نحن نلاحظ أن المجتمع التونسي ظل متماسكا، محافظا على عاداته الترفيهية الرمضانية، بل نلاحظ أن المجتمع التونسي قدم ردود أفعال رائعة في شكل رسائل واضحة للإرهابيين، فالشواطئ ممتلئة، والمقاهي السياحية مكتظة، وشاهدنا سهرات رائعة في المدينة العتيقة بتونس أدهشت الجميع.

فقد استطاع المجتمع التونسي تحويل حالة الخوف التي يعيشها إلى حالة من التحدي، وحوّل خشيته من الموت إلى رغبة في الحياة. وقدّم للإرهابيين في تونس والعالم رسالة قوية فحواها أننا لا نخاف من إرهابكم.

- هل تساند بعض الأطراف التي تفسر ظاهرة الإرهاب على أنه نتاج للتهميش والتفقير اللذين انتهجتهما الأنظمة السابقة تجاه بعض الجهات خاصة الداخلية؟

 تعليق ظاهرة الإرهاب على الفقر والتهميش، واعتبارها نتاجا للأنظمة السابقة هي في تقديري تفسيرات سياسوية ضيقة. فالدراسات التي تناولت الإرهابيين، أو بوجه أدق السلفيين الجهاديين، توصلت إلى أنهم من فئات مجتمعية مختلفة، ففيهم المهندس والطبيب كما أن فيهم العاطل والمهمش.

فمسألة الفقر والتهميش هي مسألة جانبية في ما يتعلق بالإرهاب. وإنما لبّ الموضوع هو أن الإرهاب يتمثل في إيديولوجيا دينية زائفة، متكونة من عدة بُنى تدعمها، بُنى مالية وأخرى سياسية، وأخرى تنظيرية. بعد نظر وتمحيص في التاريخ العربي والإسلامي اكتشف أعداء أمتنا أن أحسن سبيل لتخريب هذه المجتمعات يكون من الداخل، وأن أنجع طريقة لحشد الشباب ودمغجته يكون بالخطاب الديني لتحريف مساره. فكان شكل الإرهاب الذي نراه اليوم، والذي كان موجودا في السابق عبر عدة مجموعات شبيهة، كالخوارج، والحشاشين والقرامطة وغيرهم. وفي تقديري أن إلصاق الإرهاب بالفقر والتهميش هو تشجيع خفيّ للإرهاب.

- ما هو تعليقك بخصوص الأصوات المدافعة عن حقوق الإرهابيين بتعلة الدفاع عن حقوق الإنسان؟

علينا أن نترك حقوق الإنسان للمتاجرين بها. فقد كان الأولى لهم أن يدافعوا عن حقوق المصطافين الأجانب الذي أتوا إلى هنا كي يمنحونا ثقتهم وحبهم، فقابلناهم برصاصنا، وجلابيبنا وتكفيرنا وأعلامنا السود والوجوه المغطاة بالنقاب الأسود. فكروا قليلا في حق هذا الإنسان الصريع الذي أتى إلى هذا البلد كي نحميه ونقدّم له الحب الذي علمنا إياه رسول الله. ولا تفكروا كثيرا في حق ذلك الإرهابي الجاهل والدميم الذي يقرأ كتاب الله ولا يفهم منه شيئا فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا.

- هل تعتبر أنّ المجتمع التونسي قادر فعلا على خوض معركة حقيقية لمجابهة الإرهاب؟

 بلا شك، وقد سبق أن ذكرنا كيف كانت ردة فعل المجتمع التونسي رائعة وقوية على المستوى الثقافي والاجتماعي، بل يمكننا أن نقول إن المجتمع التونسي هو المجتمع الأقدر على مواجهة الإرهاب بما له من مخزون ثقافي ومعرفي، وما له من رصيد حضاري. وهو شعب متفطن لمرامي الإرهاب التي تهدف أساسا إلى تخريب الدولة وإشاعة الفوضى وتفقير الشعب وتحطيم مؤسساته، وأن الدين ليس سوى وسيلة يستخدمونها بدناءة.

 - تحدثت في روايتك «نقمة المهمشين» عن التأثير النفسي والاجتماعي لظاهرة البطالة على العاطلين عن العمل والمجتمع التونسي ككل فهل تحلل لنا ذلك؟

 البطالة هي أم الظواهر الاجتماعية السلبية، تجعل الفرد العاطل في تبعية مادية ومعنوية للغير، وهو ما يؤدي تدريجيا إلى تدمير نفسيته ورميه في أتون ظواهر كالانحراف، أو السرقة، أو الإدمان أو غيرها. هذا فضلا عن أن سنوات البطالة تنسى العاطل ما تلقاه من خبرات أو معلومات في سنوات الدراسة، فتتآكل مهاراته، ومع مرور السنوات يصير العاطل عاجزا عن استحضار أي شيء مما كان تلقاه في سنوات الدراسة.

 قدمت الرواية تحليلا دقيقا لنفسية شاب عاطل، وكيفية تفكيره، وطموحاته في الحياة، ونظرته للآخر. ويمكنني أن أقول إني اختزلت في هذا الكتاب خلاصة سنوات عديدة من البحث الأكاديمي في ما يتعلق بالعاطلين ووضعيتهم الاجتماعية والنفسية. فالعاطل كلما ازدادت فترة بطالته ابتعد عن المنطق في تفكيره وفي كيفية تعامله مع الآخرين، ويصبح الإحساس بالظلم والضيم هو المحرّك لمعظم تصرفاته، ويتحكم فيه شيء من النقمة الهدامة التي تغزو عادة عقول العاطلين.

- أصدرت مؤخرا روايتك الجديدة «الخروج إلى الضوء»، فما هو المغزى من اختيار هذا العنوان؟

 الرواية تتطرق إلى موضوع جديد لم يتم التطرق إليه بعد في المدونة العربية، ألا وهو تناسخ الأرواح في بعدين اثنين، البعد الفزيولوجي، حول إمكانات انتقال الروح من جسد إلى آخر. والبعد الثاني اجتماعي، حول كيفية انتقال روح الفرد أو نفسيته من حالة إلى أخرى، وقد تكون الروح أو يكون الفرد أو المجتمع بأسره في حالة من الظلامية فيخرج منها إلى النور، وكأنه بعث من جديد، أو كأن روحا جديدة قد استنسخت فيه، ولهذا سميت روايتي بالخروج إلى الضوء، بحثا عن الخروج من الظلام الذي يسود أي شيء، وبالأساس الظلام الذي يحاول أن يغزو مجتمعنا، وكما يقول الله تعالى في محكم تنزيله: «الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور».

- هل تعتبر أنّ تونس وشعبها خرجا من النور إلى الظلمات؟

 هناك محاولات مستميتة من الجماعات المتشددة لإرجاع البلاد إلى الظلام، ولكن محاولاتهم فاشلة وستظل كذلك. وهذا هو في الواقع الهدف الحقيقي للإرهابيين، أن يتحوّل تفكير المجتمع التونسي من برامج لبناء البلاد وتعميرها إلى برامج لتفادي خراب الإرهاب وشراسته. ومن إرساء برامج تعليمية واقتصادية لدفع الدولة إلى ركب التقدم إلى إرساء برامج استخباراتية وأمنية تكون أولى أولوياتها الحرب على الإرهاب، ومن ثمّ تهميش أي نفس إبداعي أو تطويري. هذا هو الهدف الأساسي من الإرهاب، أن يكون النقاب أولى أولوياتنا، وعذاب القبر أهمّ دراساتنا، وأن يصبح التكفير هو المفهوم الأول والأخير الذي انبنى عليه الإسلام قبل التسامح وطلب العلم، وإغاثة المنكوب وإطعام الجائع وغيرها من القيم الكونية السمحة.

وهذا الهدف المقيت علينا أن نجتمع جميعنا ضده، لأنه لو تمكن منا سينقلنا بالفعل من النور إلى الظلمات، وهذا لن يكون أبدا.

- لو فرضنا أنك في هاته اللحظة بصدد كتابة قصيدة شعرية تحاكي الواقع الذي نعيشه اليوم فما العنوان الذي ستطلقه عليها؟

«مخاض لكيان جديد يعانق النور»

- كيف ترى مستقبل الثقافة في تونس في ظل هذا الواقع الصعب؟

 مستقبل الثقافة في تونس مرتهن بأهلها، فإذا فكر أهل الثقافة في خدمتها، ووضعوا نصب أعينهم أن كل المجهودات التي يجب أن تبذل هي من أجل إعلاء راية الثقافة التونسية بشتى صنوفها، حينئذ سيكون للمثقف التونسي باع في شتى التظاهرات العربية والدولية، ويمكن حينها أن نتحدث عن خروج إلى الضوء فيما يتعلق بالثقافة.

 أما إذا كانت الثقافة رهينة لحسابات ضيقة لا تعطي للثقافة حقها، فسيبقى حال المثقف التونسي كما ألفناه، وتبقى الثقافة التونسية على غزارة إنتاجها وجودته، عاجزة عن إخراج أسماء تغزو الساحة العربية أو العالمية. ومن البديهي أن مستقبل البلاد يكمن في الثقافة وإشعاعها.

- وكيف ترى مستقبل تونس؟

أراه مشرقا بفضل نخبها نساء ورجالا.

- كلمة توجهها إلى الشعب التونسي

 لكم الحاضر والمستقبل، ولهم عذاب القبر الذي يخافونه.

- كلمة توجهها للمرأة التونسية

 هي أجمل وألطف امرأة في الدنيا على كل المستويات.

 – كلمة توجهها الى سياسيي اليوم

 فكروا في الوطن الذي يجمعنا، فهو الذي سيبقى في الأخير.

- كلمة توجهها للإرهابيين

 بعد موتكم، لا حور لديكم ولا جنان، وستسألون خاصة عن الأرواح التي أزهقتم في شهر رمضان، لقد كانوا صائمين مثلكم وكانوا يصلون مثلكم، وكانوا يقرؤون القرآن مثلكم، ولكنهم نالوا الشهادة التي لا ينالها من هو مثلكم. وستُسألون عن الوطن الذي تحاولون تخريبه فكنتم أبناءه العاقين.

- نترك لك الكلمة الأخيرة

 حفظ الله تونس، وحفظ أهلها وأبعد عنهم شرار الناس، الذين يلعبون بعقول الجهال والمغفلين. وعلينا أن نقف ضد الإرهاب وقفة رجل واحد، فلا حرية اليوم إلا حريتنا، ولا أولوية إلا لازدهارنا وتعليمنا وصناعاتنا واقتصادنا، أما إرهابهم فله الدواء الفتاّك، تماما مثل الأورام السرطانية، لا حل لها إلا الاستئصال والإبادة، وبلا رحمة أو هوادة. فهم سرطان هذه الأمة الخبيث، وواجبنا جميعا أن نخلص أمتنا منه، وأن تتظافر جهودنا كلنا من أجل أن ننقذ هذا الوطن العزيز، فكلنا حماة لحماه، كلنا تونس.

حاورته: منارة تليجاني